هل الديمقراطية هي الحل؟..وأيّة الديمقراطية.. ؟.

 

·      عبدالوهاب بن منصور

 

ها هي مسألة الديمقراطية تعود إلى الواجهة وتحتل مركز النقاش الدائر في المجتمعات العربية اليوم كحلّ أخير ووحيد لتنمية هذه المجتمعات المتخلفة، خاصة بعد تنامي ظاهرة الإرهاب وتفشيها واستحالة معالجتها بالطرق الرّدعية.

فإن كان الإرهاب نتيجة منع ومصادرة لحق التعبير لفسح المجال لتعبير آخر بلغة أخرى، لغة غير إنسانية، فإن الديمقراطية، التي هي بكل بساطة حكم الشعب، تضمن هذا الحق وتصونه. فحريّة التعبير هي القيمة الأساسية غير قابلة للحجز أو التأجيل لذلك كانت الأكثر ارتباطا بالديمقراطية والأكثر تمثيلا لها، فكانت المحرّك الذي لا يهدأ عن الهدير أو الدوران. فهل الديمقراطية [أو حريّة التعبير إحدى قيمها] هي الحلّ؟.

قبل ذلك لزم التّنبيه إلى أنّ " تقزيم" ظاهرة الإرهاب بربطها بغياب الديمقراطية فقط دون التراكم الهائل للمشاكل الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، له ما يبرره، باعتبار أنّ هذا التراكم هو نتيجة حتمية لغياب الديمقراطية. وإذ ندخل بذلك حلقة صوفية [من باب التشبيه فقط] لا بداية ولا نهاية لها مركزها الديمقراطية. فبين المركز والدائرة عملية إشعاعية تأثيرية أو بتعبير الصوفية فإن المركز[الديمقراطية] يشفط ما حوله.

قد يتبيّن مما سبق أن الدّيمقراطية هي الحلّ؟. لكن هل الديمقراطية يمكنها أن تكون بقوّة عصا موسى؟. أو تكون كالقطب يشفط ما حوله وينيره فيفنى فيه وبه؟. فإن كانت كذلك، فهي ليست نموذجا جاهزا، كاملا، وصالحا لكل زمان ومكان. فقراءة بسيطة لتاريخها يبيّن حقيقة ما نقول. فالديمقراطية التي ظهرت في القرن الخامس قبل الميلاد ليست ديمقراطية الثورة الفرنسية وبالتالي ليست ديمقراطية القرن الحالي. فالديمقراطية اليوم على المحك مرة أخرى في أقدم البلدان ديمقراطية [فرنسا] بالمطالبة بحقّ زواج للمثاليين، وتعارض هذا "الحق" كقيمة إنسانية بقيمة الزواج المقدس التي تفرضه الكنيسة. لذلك فإنّ الديمقراطية مقاربة أو مجموعة من القيم القابلة للتطوّر، ولإدراكها وتبيانها نستعرض أهم هذه القيم بايجاز.

1- المساواة المدنية:

 إن الديمقراطية تضمن المساواة بين كل المواطنين باختلاف انتماءاتهم السياسية أو الثقافية، بحيث يخضع الجميع لنفس القوانين التي تسيّر الدولة..

2- فصل السلطات:

والمقصود من ذلك فصل السلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية. إنّ التداخل ولو كان بسيطا بين هذه السلطات يهدد الديمقراطية.

3- التعددية السياسية:

أن الديمقراطية تنظم العمل السياسي لتمكين حرية التعبير والرأي والمساهمة الفعلية في اختيار الحاكم بتنظيم آليات لذلك كالانتخاب مثلا.

إنّ هذه القيم الثلاث ومن خلال قراءتها وتحليلها يتبين أنها قابلة للتطور كما قلنا، وتخضع لجغرافية وتاريخ البلد، وتبقى مرهونة بمدى احترامها. وليس الاستيراد الأعمى هو الحل. فقد أظهرت تجارب الاستيراد للنمادج فشلها وعدم قابلية الخضوع لها.

أخيرا وجب التنبيه مرة أخرى لما قاله المرحوم بختي بن عودة :" ما ليس ديمقراطية، ليس الاستبداد كما يبدو للوهلة الأولى، لأنّ غواية المفاهيم وفي اللحظة الجزائرية بالتحديد هي قبل شيء استمرار لسلطة الدّال وبالتالي استمرار لشكل من أشكال الفسخ [Clirage] أو الانفصام، لأنّ بروز أو انبثاق مفهوم يعيد ولصالح المنطق الخاص الانشغال إلى شيء من ماضيه. ما ليس هو، ولنقل النقيض." ذلك حتى لا نربط الديمقراطية ونقزمها في فعل سياسي بحت وفقط.